الفيتو والديمقراطية .. أ. د. محمد طاقة

الفيتو والديمقراطية ..


           أ. د. محمد طاقة


انا من اللذين لا يؤمنون بوجود الديمقراطية ، ولن تعيش البشرية في يوم من الايام باجواء ديمقراطية ، لان الديمقراطية بدون حرية لا وجود لها ، الحرية تعني بالنسبة لي هي الحياة بكامل ابعادها ، وان اعيش حرًا فيها دون قيود أو حدود ، ان اكون طليقا كالطير في السماء ملتزما بقوانينها الطبيعية الجميلة ، فالحرية هي كل شيء يتمتع به الانسان في هذه الدنيا ، لا وجود للديمقراطية بوجود حق النقض الفيتو لدى بعض الدول في مجلس الامن الدولي التابع للأمم المتحدة وهم كل من ( الصين ، وفرنسا ، وروسيا ، والمملكة المتحدة ، وامريكا ) ، وهي الدول الدائمة العضوية والتي تمتلك جميعها اسلحة نووية ، وهذا يعني انه بامكان العضو الدائم ان يعيق صدور أي قرار في مجلس الامن الدولي دون ابداء الاسباب ، ولا يمر نهائيا حتى لو كان مقبولا من قبل الدول الاربعة عشر الاخرى .

نلاحظ ان الفيتو يتناقض تمامًا مع جميع القواعد الاساسية للديمقراطية والانظمة الديمقراطية في العالم ان وجدت . ان الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية استأثرت لنفسها بمقاعد دائمة في مجلس الامن وحق النقض الفيتو ، وتقاسمت النفوذ فيما بينها بحيث اصبحت خمس دول فقط تتحكم بمصير اكثر من (١٨٨) دولة في العالم واصبح الفيتو سلاح الدول الكبرى في مجلس الامن مسلط على رقاب الدول التي تتقاطع مع مصالحها . ان هذه الدول الخمسة تغلب مصالحها على الانسانية جمعاء . ونجد ان القضايا العربية بالذات اكثر تضررًا ، وان هذه الدول ومع الاسف الشديد قد اساءت استخدام هذا الحق وبالغت في استخدامه مما عرقل صدور العديد من القرارات الهامة لمعالجة العديد من القضايا والازمات الدولية الساخنة ، ولعل ابرزها القضية الفلسطينية والقضية السورية وكذلك ما حدث من اجحاف شديد بحق العراق وكيف اصدر مجلس الامن سلسلة من القرارات وبطريقة هستيرية ضد العراق وشعبه الابي . وما يحدث اليوم في غزة والفيتو الامريكي ضد قرار وقف اطلاق النار ووقف الحرب نهائيا ، شيء يمثل اكبر عار على امريكا ومجلس الامن وعلى الانسانية كلها ، هذا اذا علمنا ان امريكا وحدها استخدمت حق النقض (٧٧) مرة منها (٣٦) مرة لحماية الكيان الصهيوني حتى لو كان مجرد اللوم ، واستخدمت موسكو حق الفيتو (١٢٠) مرة وكانت اكثرها في عهد التحاد السوفيتي السابق في حين بريطانيا استخدمته (٣٢) مرة وكان اكثرها الى جانب امريكا وفرنسا ولصالح الكيان الصهيوني كما استخدمت فرنسا الفيتو (١٨) مرة اما الصين فاستخدمته خمس مرات فقط . اين الديمقراطية من كل ذلك؟

خمس دول تتحكم بنا وبحياتنا وبمستقبلنا و بمصيرنا ، وبالاخص ما تلعبه امريكا داخل مجلس الامن الدولي ضد القضايا العربية وبشكل خاص القضية الفلسطينية وما احداث غزة لدليل على وحشية امريكا ومن معها وهي ترى الابادة الجماعية لاخوتنا في غزة وتستخدم الفيتو ضد وقف الحرب ، اهكذا هي الديمقراطية وحقوق الانسان ماهي الا شعارات كاذبة للضحك على الذقون ، وهذا ليس بمجلس امن بل مجلس حرب وهيمنة واستعباد ، ان الفيتو هو أسوء ما افرزته الحرب العالمية الثانية ، كونه أعطى الحق للدول دائمة العضوية كي تستعبد البشرية وبطريقة شرعية وقانونية وتضطهد الشعوب وتدمر وتغزو  وتحاصر البلدان وتفرض العقوبات الاقتصادية عليها حتى تضمن مصالحها وتنفذ مخططاتها في الهيمنة على العالم .

يتضح مما تقدم  ان لا وجود للديمقراطية بوجود حق النقض الفيتو في مجلس الامن بل على العكس تماما نحن نعيش مرحلة العبودية المعاصرة عبودية بلباس جديد فرضه علينا النظام الدولي الذي افرزته الحرب العالميه الثانية ، النظام الذي لم يعد ينسجم على الاطلاق مع طموحات الشعوب لنيل الحرية والديمقراطية الحقيقية التي تفتقدها منذ زمن بعيد وان تعيش بسلام حقيقي  وفي ظل نظام دولي يحقق لها العدالة ويضمن لها حقوقها دون استغلال واضطهاد كما يحدث في عالم الفيتو ..