لغز البحر الاحمر .. أ. د. محمد طاقة

لغز البحر الاحمر .. 

أ. د. محمد طاقة

شهد البحر الاحمر في الاونة الاخيرة هجمات تخريبية أدت الى اعاقة حركة الملاحة فيه، ذلك من خلال الهجمات التي تقوم بها عصابة الحوثيين وهي احد اذرع ايران في اليمن.

وبسبب هذه الهجمات المتكررة اعلنت كبرى الشركات العالمية الى تغيير مسارها لتسلك طريق راس الرجاء الصالح بدلا من قناة السويس لتجنب الهجمات، ومن هذه الشركات هي شركة (ميرسك) المشهورة وهي اكبر شركة شحن حاويات في العالم من حيث حجم الاسطول وسعة الشحن، وكذلك شركة (سي اتش روبنسون) و (سي ام اي - وسي جي ام) وشركة (يورونا ف وفرونت لاين) وشركة ( ايفر غرين ) وتبعها اكثر من ( ١٨ ) شركة شحن غيرت هي الاخرى مسارها لتجنب البحر الاحمر، وذلك وفق ما اعلنته المنظمة البحرية الدولية التابعة للامم المتحدة، كذلك هنالك المئات من السفن والحاويات الاخرى لتسلك نفس الطريق . 

وهذا مما أدى وسيؤدي من التأثير على حجم التبادل التجاري بين آسيا واوربا، والذي يمثل اكثر من ( ١٥ ) بالمئة من التجارة العالمية التي تمر عبر البحر الاحمر وبنحو ( ٤٠ ) بالمئة من حجم التبادل التجاري بين آسيا و اوربا . علما ان هذه الشركات العالمية الكبرى تشكل مجتمعة نحو ( ٥٣ ) بالمئة من تجارة الحاويات عالميا . 

واذا استمر الحال على ماهو عليه، سيدفع الكثير من الشركات لاتخاذ نفس الاجراءات بالنسبة لناقلات النفط او ناقلات البضائع . 

وعلى هذا الاساس فأن الكثير من الدول ستتأثر اقتصاديا جراء ذلك وبنسب متفاوتة، أما الاثار الغير مباشرة ستطال معظم دول العالم، لان التوترات في البحر الاحمر تؤثر بشكل مباشر على سلاسل التوريد العالمية بسبب تغيير مسار السفن، وبدأت السفن تسلك طرق اخرى اطول ( كرأس الرجاء الصالح ) والتي ستستغرق مدة زمنية أطول من الطريق المؤدي الى قناة السويس وتقدر المدة ما بين ( ١٢-٢٠ ) يوما، وهذا يعني اضافة تكاليف اخرى بسبب زيادة استهلاك الوقود وأجور العاملين ومصاريف اخرى، مما يؤدي الى زيادة تكاليف الشحن الى اكثر من ثمانية اضعاف .
ومن اكثر البلدان تضررًا هي مصر، وبشكل مباشر، لان ايرادات مصر من قناة السويس تشكل مصدرا رئيسيا من العملات الصعبة، حيث قدرت ايراداتها لعام ( ٢٠٢٤ ) باكثر من (١٠) مليار دولار واذا علمنا ان اكثر من (٤٥) بالمئة من السفن غيرت مسارها، وهذا يعني ان بنحو (٥٠) بالمئة تقريبا من ايراداتها ستنخفض بسبب الهجمات الحوثية على حركة الملاحة في البحر الاحمر ومضيق باب المندب . 

كما ان هجمات البحر الاحمر تلقي بظلالها على اقتصاديات اوربا وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الشحن، وتضاعفت اسعار خدمة النقل لاكثر من ثلاث مرات لتصل الى ( ٨٣ ) الف دولار يوميا اي بزيادة قدرها ( ١٨٢ ) بالمئة، فضلا عن ارتفاع الشحن الوارد عبر مضيق باب المندب بنسبة وصلت الى ( ١٧٠ ) بالمئة بالاضافة الى ارتفاع تكاليف الشحن بشكل عام، فضلا عن تعطيل سلاسل التوريد العالمية وخاصة الى اوربا والتي كانت بصدد التخلص من مشكلة التضخم المرتفع، فإن أي تعطيل لسلاسل التوريد سيؤدي بالضرورة الى ارتفاع الاسعار مرة اخرى وزيادة في معدلات التضخم، وهذا ما سيعيق عملية خفض اسعار الفائدة والمخططات من قبل البنوك المركزية في اوربا، واذا استمرت المشاحنات العسكرية في البحر الاحمر ستؤدي الى اضطراب التجارة العالمية وزيادة معدلات التضخم في اوربا، وحتى بعض بلدان العالم . 

طالما يلعب البحر الاحمر دورًا محوريًا في التجارة العالمية وله اهمية استراتيجية بالنسبة للصين ومشروعها في طريق الحرير والولايات المتحدة الامريكية واوربا ومصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، فكيف لهذه الدول العظمى أن تسمح لعصابة مارقة تابعة لايران ان تقوم بالسيطرة على باب المندب والتحكم بمرور السفن بأهم ممر مائي يربط آسيا باوربا والعالم ؟
علما ان الحوثيون لا يمثلون إلا نسبة ضئيلة جدًا من الشعب اليمني وهم موالون الى نظام في طهران، وايران هي التي تدعمهم وتمدهم بالسلاح والمال والخبرات القتالية، وبعلم امريكا والتي كانت تدعمهم ايضا، والسؤال المطروح على الجميع، كيف لن تتمكن امريكا واوربا ومن معهم، وسفنهم الحربية المتواجدة في البحر الاحمر والخليج العربي وفي البحر الابيض المتوسط، وقواعدهم المنتشرة في منطقة الخليج العربي من السيطرة على باب المندب والبحر الاحمر وتحقيق الامن والملاحة فيه ؟
والحوثيون تمكنوا من تعطيل الملاحة فيه والسيطرة على باب المندب بالرغم من وجود كل السفن الحربية للتحالف الدولي ولن يتمكن التحالف الدولي بقيادة امريكا من حماية الخط البحري المهم والحساس حتى يومنا هذا، فضلا عن ان السعوديين والاكثر من ثمانية سنوات تقاتل الحوثي ولن تتمكن من هزيمتهم وكذلك الحكومة اليمنية ولن تتمكن من دحرهم . 

فهل الحوثيون اصبحوا دولة عظمى ونحن لا ندري ؟ ماهذه المفارقات، ما الذي يجري في البحر الاحمر ؟ وفي غزة والعراق واليمن وسوريا ولبنان وفي المنطقة برمتها ؟ 

ويتبادر الى الاذهان الكثير من الاسئلة والمفارقات التي تحتاج الى تفسير، ومن هذه الاسئلة والمفارقات والتي سأترك للقاريء الاجابة عليها ويعطي تفسيرًا منطقيًا لها . 

اولا : لماذا حشدت امريكا ومن معها كل هذه الاساطيل في البحر الاحمر والخليج العربي والبحر الابيض المتوسط ولن تتمكن من السيطرة على الملاحة في البحر الاحمر وتحجيم دور المليشيات الحوثية او انهائها تماما ؟

ثانيا : امريكا تعلم علم اليقين ان ايران وراء كل ما يجري في المنطقة، في باب المندب والعراق ولبنان واليمن وسوريا، فلماذا امريكا لازالت تتهاون على ضرب رأس الافعى بدلا من ذيولها ؟ 

ثالثا : لماذا امريكا ولحد الان لم تنهي دور المليشيات الموالية لايران والحشد الشعبي في العراق والذين يوجهون صواريخهم صوب السفارة الامريكية ومعسكراتها في عين الاسد وحرير في اربيل ودون ان تقع اي ضحايا تذكر والصواريخ تقع بالقرب من اهدافها هي التي دعمتهم وساعدتهم على الهيمنة على العراق ؟ 

رابعا : ان امريكا تستنجد بالصين ان تتدخل للضغط على ايران كي تمنع الحوثيون من العبث في امن البحر الاحمر فما هذه المفارقة ؟ 

خامسا : منذ اكثر من ثلاثين عامًا وايران تحاول من انتاج القنبلة النووية، والاعلام الامريكي والصهيوني والعالمي صدعوا رؤوسنا حول ذلك ولم يفعلوا اي شيء اتجاه ايران وايقافها عن تخصيب اليورانيوم وامريكا تستغل ذلك وتبتز دول الخليج ايما ابتزاز ؟ 

سادسًا : اليس نحن نعيش في عالم مجنون جدا، وفيه من التناقضات العجيبة والبعيدة كل البعد عن المنطق، فجميع الاطراف تشجب، وتهدد وتقلق، وسنرد بالوقت المناسب، وغيرها من الاعيب الشياطين وهنالك الكثير من المفارقات التي تجعلنا ان نفكر جليًا اتجاه ما يحدث في منطقتنا وما يخطط لها ومن المستهدف الحقيقي من جراء هذا التواجد العسكري في منطقة الشرق الاوسط والمنطقة العربية بالذات علمًا ان البحر الأحمر بحرًا عربيًا بامتياز لان جميع الدول الواقعة عليه هي دول عربية والمفروض هي المسؤولة عن حمايته وتحقيق الامن فيه .