الديمقراطية والمجتمعات المتخلفة أ. د. محمد طاقة

الديمقراطية والمجتمعات المتخلفة


             أ. د. محمد طاقة


يعود منشأ الديمقراطية الى اليونان القديم حيث كانت الديمقراطية اليونانية  أول ديمقراطية نشأت في التاريخ البشري . والديمقراطية كلمة يونانية من شقين ( ديموس ) وتعني الشعب والشق الثاني ( كراتوس ) وتعني الحكم أو السلطة ، فهي تعني اذن حكم الشعب ، والديمقراطية هي شكل من اشكال الحكم يشارك فيه جميع المواطنين إما بشكل مباشر او من خلال ممثلين عنهم منتخبين من قبل الشعب .

والديمقراطية تعتمد بشكل مباشر على ثقافة ونضج المجتمع ومستوى تطوره العلمي والحضاري .

وعلى هذا الاساس فالكثير من البلدان المتخلفة لا تزال ليست بالمستوى المطلوب لممارسة الديمقراطية ، بسبب تخلف هذه المجتمعات ، كون مستوى التعليم فيها متدني ونسبة الامية فيها مرتفع ، وانخفاض مستوى المعيشة وعدم توفر الكثير من متطلبات الحياة ، مما يجعل هذه الشعوب  معرضة للاختراق من الخارج والكثير منها تتحكم فيها الدول الاستعمارية والتي تتمعن في زيادة وتعميق التخلف فيها ولا يسمح لها خلق تنمية حقيقية لتطوير نفسها حتى تتمكن من ممارسة الديمقراطية بالشكل الصحيح . الديمقراطية تمثل النقيض من الدكتاتورية او الاستبداد ومن خلال ممارسة الديمقراطية تتمكن الشعوب التخلص من قادتهم والاطاحة بهم دون الحاجة الى استخدام العنف .

وفي اعتقادنا ان الديمقراطية فكرة مثالية جدًا ، صعبة التطبيق في جميع المجتمعات المتقدمة منها والمتخلفه ، كونها ترتبط بعوامل اجتماعية واقتصادية وسياسية مثالية ، وهذا من المستحيل وجوده بجميع الانظمة في العالم ، لان الهياكل الطبقية القمعية موجودة في كل مكان ، وبشكل خاص في الدول الراسمالية .

الديمقراطية هي طريقة في الحكم لحياة مثالية خالية من العيوب ، وعلى هذا الاساس فهي طوباوية بكل معنى الكلمة طالما هي تسعى الى المثل الاعلى ولا تتصل بالواقع أي لا يمكن تحقيقها .

وكما اكد ذلك الثائر ( تشي جيفارا ) حيث كان يعتقد ان الديمقراطية الحقيقية لا يمكن تحقيقها الا بعد ثورة اشتراكية ، ويعتقد جيفارا ان الطريقة الوحيدة لخلق ديمقراطية حقيقية هي القضاء على الطبقية القمعية الموجودة في المجتمعات الرأسمالية وغيرها من المجتمعات .

اما الفيلسوف ابن رشد يؤكد ان الديمقراطية هي نظام سياسي يتم تطبيقه في حال كانت الناس مؤهلة لتحمل مسؤولياتها ، وهو ما يتطلب تعليما ووعيا كافيا لدى الشعوب .

وحتى لو تحقق الوعي بدرجة ما والتعليم وبقية المستلزمات الضرورية للحياة ، فهل ستتحقق الديمقراطية بوجود من يمتلك  رأس المال والسلطة والاعلام المخيف الذي يؤثر على عقول واذواق البشر في كل مكان وكيف تتحكم هذه القوى بنتائج الانتخابات وتعمل على فوز من تريد ، فنحن نعتقد ان الديمقراطية هي مسألة طوباوية تمامًا . واذا عدنا الى ما قاله ( جورج برنارد شو ) الكاتب المسرحي الايرلندي الشهير  وهو مفكر اشتراكي عن الديمقراطية حيث قال : ( ان الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل لان اغلبيته من الحمير ستحدد مصيرك ) وهنا يؤكد الى ما ذهبنا اليه ان الديمقراطية في المجتمعات المتخلفه لا تصلح بسبب تخلفها وجهلها ، لان الديمقراطية تحتاج الى مستوى من الوعي والتطور الحضاري .

فبعد مرور عشرين عاما على غزو  امريكا العراق واحتلاله من اجل القضاء على ( النظام الدكتاتوري ) كما يدعون وبناء نظام ديمقراطي ، لا زال العراق بعد هذه السنين بعيدا كل البعد عن الديمقراطية الليبرالية المستوردة ، والتي جلبت للعراقيين الكثير من الويلات والكوارث ، فالفساد المالي والاداري وعدم الاستقرار وانفلات الامن و النزاعات الدامية هيمنت على البلد ، وتفشي التخلف والفقر وزيادة نسبة البطالة بين الشباب ، وسرقة نفط العراق وامواله وقيام الغزاة بتدمير البنى التحتية للنظام الصحي وتدمير التعليم بحيث ارتفعت نسبة الامية في العراق بشكل خطير جدا و اوكلت ايران من قبل امريكا بتنفيذه من اجل الهيمنة عليه ، مستغلة الجانب المذهبي ، فاصبح المجتمع العراقي حبيس لرجال الدين ومطيع لهم بشكل مطلق وكما يقول ابن رشد ( تجارة الاديان هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل ) وهذا ما حدث ويحدث في العراق ويعملون ليل نهار على تجهيل المجتمع من اجل السيطرة عليه والتحكم بمصيره ، فقامت ايران ومليشياتها من تدمير الطبقة الوسطى والاكثر وعياً وثقافة وعلماً والاكثر فاعلية ، وذلك من خلال اغتيال العديد من العلماء والاطباء واساتذة الجامعات ، من اجل ان يخلوا المجتمع من هذه الطبقة وفعلا تم ذلك وبقي في المجتمع الكثير من الناس البسطاء والفقراء والناس الموالين الى علماء الدين دون ادراك خطورة ما يجري في البلد من دمار شامل .

فعن اي ديمقراطية تتحدثون ؟ فلا وجود للديمقراطية بدون حرية وعراقنا محتل منذ عام ٢٠٠٣ وحتى يومنا هذا ، وبلدنا تم تجهيله وتدميره اجتماعيا وسياسيا وثقافيا واخلاقيا وهذا يعني لا وجود للديمقراطية في العراق وكما قال برنارد شو ( ان الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل ) ولا تصلح في بلد تقوده مليشيات مسلحة تابعة الى ايران وتستحوذ على راس المال والاعلام والسلطة وتتحكم في جميع مفاصل الحياة في العراق ، وهي تنفذ ماتريده امريكا وايران وتبقى الديمقراطية كذبة كبيرة يستغلونها لتمرير مآربهم وتحقيق مصالحهم الذاتية وبنفس الوقت تستغل من قبل العملاء والمارقين والمتخلفين والسراق والمحتلين ، فعلينا ان نعمل وبكل قوة على تحرير بلدنا من كل انواع الاحتلالات والقضاء على العملاء والفاسدين وبعد ذلك نعمل على بناء العراق من جديد و تحقيق العدالة الاجتماعية وممارسة الديمقراطية المركزية من اجل النهوض ببلدنا العراق العظيم .