اين نشيدكم الوطني؟
محمود خالد المسافر
بعد عشرين عاما من الاحتلال وتوالي حكومات نصّب بعضها المحتل الامريكي ونصّب بعضها المحتل الايراني ونصّب بعضها الآخر اتفاق خبيث بين المحتلين الأمريكي والايراني، لم يستطع امعات المحتلين أن يضعوا نشيدا وطنيا يمثلهم، لانه ببساطة ليست فيهم ولا في أعمالهم أية وطنية. ولذلك قرروا أن يهربوا إلى الامام من خلال تبني نشيد لا يمت لهم بصلة لا من حيث المنطلقات ولا من حيث الأهداف ولا الرؤى الفكرية. فاستعانوا بنشيد يتحدث عن الوطن العربي الواحد وهم لا يؤمنوا به بل هم دائما يحاربون وحدته، وهو النشيد الذي كتبه شاعر العروبة الفلسطيني ابراهيم طوقان ولحنه في عام 1934 الموسيقار اللبناني محمد فليفل. تبنى كل العرب هذا النشيد الذي يعبر عن العقل الجمعي العربي. وتبنته اغلب الأنظمة العربية الناشئة بعد استقلال أقطار الوطن العربي من الاستعمار. ثم بعد ذلك حرصت هذه الأنظمة على أن يكون لها نشيدها الذي يعبر عن امتزاج اهداف قادة تلك الأنظمة مع العقل الجمعي في تلك الاقطار العربية. ولا بد من الإشارة بصراحة الى أن المد العروبة الذي كان يعبر عنه نشيد "موطني" ضعف أمام الرغبات الوطنية المحصورة داخل حدود وضعها المحتل قبل أن يرحل. ولذلك فإن العودة من قبل حكومة الغفلة في العراق في عام 2004 إلى نشيد "موطني" لم يكن إيمانا منها بوطن عربي واحد أو بسبب انحيازهم للعقل الجمعي في العراق المحب لأمته والملتصق بها، وانما فقط ليخرجوا أنفسهم من حرج أن يقفوا دائما تحت علم العراق الذي اختارته قوى الثورة المؤمنة بالأمة وليضطروا أن يسمعوا نشيدا يعبر عن انتصارات العراق التي يكرهوها ليس لأنهم يكرهون العراق فحسب وانما لانهم يكرهون اصحاب تلك الانجازات في العراق وهم ثوار تموز 1968. لقد فشلت حكومات الغفلة في العراق أن يكون لديهم نشيدا وطنيا جامعا للعراقيين. عشرون عاما ولا زالوا يرددون نشيدا لا يعبر عن هويتهم ولا تاريخهم ولا منظومتهم الفاسدة.
أما فيما يخص نشيد "وطن مد" فقد حرص ثوار تموز بعد إنجاز التغيير ان تظهر هويتهم الكاملة الشاملة لأهدافهم وشعار حزبهم الحاكم آنذاك. فبعد كم الإنجازات العظيمة ومنها على سبيل المثال لا الحصر (التخلص من خلايا الجاسوسية، وإعلان الحكم الذاتي، وتأميم النفط، والبدء بالخطة التنموية الاولى، والقضاء على الأمية، وبناء قاعدة صناعية، ومجانية التعليم، وبناء جيش قوي وغيرها)، بدأ الثوار يفكرون بنشيد الدولة الوطني الذي يعبر عن ايديولوجيتهم الممزوجة بالفكر الجمعي العراقي العاشق للعروبة والمعبر عن القبول والرضى بإنجازات الثوار فكان هذا النشيد للعملاق الثائر المثقف شفيق الكمالي والذي لحنه الملحن المتميز وليد غلمية. مسيرة ثلاثة عشر عاما من النجاح المتواصل (1968-1981) أنتجت "وطن مد على الأفق جناحا... وارتدى مجد الحضارات وشاحا". نشيد يحكي قصة وطن حددت حدوده مسارات هبة الله نهري دجلة والفرات لتنفيذ القرار الرباني بأن تكون بين هذين النهرين العظيمين اقدم حضارة في الوجود. هي ام الحضارات واغزرها عطاءً. هكذا هو النشيد الوطني يعي التاريخ ويقود الحاضر ويرسم المستقبل، ويحدد التضحيات للحفاظ على عبق الماضي وإنجازات الحاضر من أجل مستقبل مشرق. مكونات الدولة بمفهومها الحديث كلها كانت حاضرة امام العملاق الكمالي حين كتب أسطورته الوطنية التي تعبر عن العراقي القديم جلجامش كما تعبر عن جلجامش الحاضر. رحم الله شقيق الكمالي الذي اترحم عليه كلما تذكرت هذا النشيد الأسطورة. ويظن البعض خطأ وجهلا أن هذا النشيد أصبح من الماضي. اسمعوه جيدا وسترون أن كل المستقبل فيه، لانه يحكي قصة الوطن العظيم. اسمعوا واستمتعوا