التوازن ضروري للحياة .. أ. د. محمد طاقة

التوازن ضروري للحياة ..


             أ. د. محمد طاقة


كل شيء في الحياة في حالة توازن ، لقد خلق الله العالم في حالة توازن دقيق ، حيث  تتجلى مظاهر هذا التوازن في كل جانب من جوانب الحياة ، الليل والنهار يتعاقبان بتناغم والذكر والانثى يكملان بعضهما البعض ، حتى حركة الكون بنجومه وكواكبه تتبع نظماً متوازنة ، وخلق الله كل شيء ومعه نقيضه حتى تتم حالة التوازن .

فالحياة لا تستقيم على الاطلاق إلا بوجود التوازن في كل شيء . هذه الحالة من التوازن هي اساس استمرار الحياة وازدهارها ، إذ لا يمكن للحياة ان تستمر وتزدهر في غياب التوازن .

في المقابل نجد أن الصهيونية العالمية تتعارض مع جميع الاديان التي وضعت مجموعة من القيم لتنظيم حياة البشر بشكل متوازن ، وقد جاء الدين الاسلامي ليكمل هذه المنظومة القيمية والاجتماعية محققاً حالة من التوازن بين ماهو مادي وما هو روحي ( قيمي ) ، فالاسلام بكونه خاتم الاديان ارسى اسساً متينة لحياة متوازنة بين الفرد والمجتمع وبين الحقوق والواجبات

وبين الدنيا والاخرة .

لكن عند تأسيس الحركة الصهيونية في مؤتمر بازل عام (١٨٩٧) ، المؤتمر الصهيوني الاول والذي عقد بزعامة ( تيودور هيرتزل ) في مدينة بازل بسويسرا ، وضعت الحركة الصهيونية مخططاً لزرع الرذيلة في كل زاوية من زوايا الارض ونشر الفساد بهدف اضعاف العالم والسيطرة عليه ، استخدمت الصهيونية وسائل مختلفة لتحقيق هذا الهدف ، بما في ذلك السيطرة على راس المال والاعلام وخلق فوضى عارمة تنهي من خلالها حالة التوازن .

نجحت الصهيونية العالمية في تحقيق الكثير من اهدافها ، ونلاحظ ان طغيان العلاقات المادية على حساب القيم والاخلاق يعكس تغيرات عميقة في المجتمعات والاقتصادات العالمية ، مع تزايد العولمة والتطورات التكنولوجية الهائلة ، اصبحت المصالح الاقتصادية والمادية غالباً ما تتفوق على الاعتبارات الانسانية والاخلاقية .

هذه الظاهرة قد تؤدي الى تآكل الثقة بين الافراد والمجتمعات ، وترسخ زيادة التفاوت الاجتماعي والاقتصادي وتقويض حقوق الانسان .

تمكنت الصهيونية العالمية تحقيق كل ذلك من خلال طرح العولمة الاقتصادية ومن خلال الشركات المتعددة الجنسيات والاقتصادات المفتوحة وتركيزها على الربح على حساب القيم المجتمعية ، فضلاً عن التقدم التكنولوجي وبالاخص الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي ، وعلى هذه الاسس تسعى الصهيونية للهيمنة على العالم اقتصادياً وتكنولوجياً وسياسياً . وانعكس ذلك بشكل جلي على الجانب السياسي ، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفراد امريكا بالعالم .

نحن الان نعيش في حالة عدم توازن وحالة فوضى عارمة ، حيث يشهد العالم فساداً دولياً منقطع النظير ،هكذا  تمكنت الصهيونية من تحقيق هدفها في خلق حالة من اللاتوازن التي تهدد بتدمير المنظومة القيمية للمجتمعات .

 يجري اليوم في العالم وفي المنطقة العربية وعلى وجه الخصوص في العراق ، من تدمير شامل للمنظومة القيمية والاجتماعية وزرع الرذيلة والفساد بكل اشكاله فاق التصور ، لقد تم تدمير العراق والمنطقة العربية اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً بحيث تحتاج المنطقة الى عشرات السنين لتعيد عافيتها ، بحيث فقد التوازن المطلوب بشكل تام واصبحت الفوضى هي السائدة في المنطقة ، وهذا ما تريده الصهيونية العالمية والتي تسعى الى تقويض أسس المجتمعات من خلال نشر الفساد والفوضى وزرع الانقسامات وتعميق الطائفية والاثنية وتجهيل المجتمعات ونشر المخدرات بشكل لافت ومخيف ، وتفشي الفساد الاخلاقي ، وهذا ما يحدث في العراق والمنطقة والعالم ، والمجتمع في العراق فقد توازنه تماماً جراء ذلك وحلت الفوضى وانعدام الامن .

ان التوازن في الحياة ليس مجرد مفهوم نظري ، بل هو ضرورة حتمية لضمان استمرار الحياة على وجه هذا الكوكب ، توازن القوى في الطبيعة ، توازن العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وحتى توازن القوى السياسية ، كلها عوامل حيوية لتحقيق الاستقرار والازدهار ، وبدون هذا التوازن تسود الفوضى ( كما هو حال العالم اليوم ) ويصبح من الصعب تحقيق السلام العالمي .

ان التوازن هو جوهر الحياة واساسها ، علينا جميعاً ان ندرك اهمية هذا التوازن ونعمل جاهدين وبكل قوة للحفاظ عليه في كل جوانب الحياة وان لا نستهين باهمية ذلك ، ويجب ان نكون واعين بالمخاطر التي تهدد هذا التوازن ( الذي هو هدف من اهداف الصهيونية العالمية ) ونعمل على التصدي لها بكل حزم لضمان مستقبل افضل واكثر استقراراً لاجيالنا القادمة .